الثلاثاء، 21 مارس 2017

صناعة الجهل ،أداة تصنيم وأداة تخليد وباء..!



صناعة الجهل ،أداة تصنيم وأداة تخليد وباء..! *
تمام محمد الشيباني

غالبا مايقاس مستوى التطور والتمدن بمعياري الوعي والتعليم ،حينها يصبح الحكم على اي مجتمع بأنه مدني وذو تطور دائم عندما نلاحظ أن نسب التعليم والوعي المجتمعي مرتفعة . المقياس يُنظر اليه دائماً من البعد الجوهري لتركيبة الوعي المتمدن والتعليم الحديث ولا يُنظر الى البعد المظهري لمستوى ارتفاع البنايات والتكنولوجيا المستوردة كما ننظر اليه في مجتمعنا الشرقي.
هكذا أستطاعت دول العالم الاول والثاني من جعل التعليم قداسة مختارة يلهث بعدها الجميع حتى يساهم الفرد في صناعة حاضر ومستقبل مشرق للأجيال اللاحقة.
التعليم والشرق علاقة عكسية مستدامة ، يظهر فيها التحصن الحصين من التعليم كحالة التحجر الدائم لا يغني ولا يسمن من جوع مهما كثرت اساليبه وإغراءاته، سنوات طوال عاشتها المجتمعات الشرقية في دوامة من الجهل النسبي في بعضها والتخلف اللصيق في اكثرها وان كان التخلف لصيق المجتمع الشرقي عموماً دون استثناء ، فالقمع والاستبداد وتوالي حركات الاستعمار الغربية للدول العربية في حقبات مختلفة منذ بداية القرن العشرين كانت احدى اسباب وصول المجتمعات الى ذروة الجهل ، فلا استطيع الجزم ان الاستعمار الغربي كان سبباً في التخلف والجهل بل اجزم ان عدم استثماره الكامل في بعض ايجابياته وإن كانت قليلة  كدعم الحركة التعليمية واستغلال البعثات العلمية المدعومة من جانب دول الاستعمار ، هنا الجهل بعينه ان ينصّب جل اهتمام الفرد في كيفية الكفاح المسلح القتيم دون استغلال الدعم الخارجي للتعليم والانقلاب على الاستعمار بنفس الأداة المدعومة. القمع لا يقتصر على معارضي الحكم سياسياً وانما هناك قمع اخر هو قمع التعليم هذا النوع لا يتربى ويترعرع ويصبح مشبعاً بكل انواع الإضطهاد الا في المجتمع الشرقي مايميز هذا النوع من القمع انه انسيابي خفي لا يؤذي ولا يستئذى فوراً بل يشكل حالة من الإنتشار الوبائي ينتشر تدريجياً ليصبح وباء أو أوبئة خالدة مخلدة لصيقة بالمجتمعات لتصبح جاهلة ومتخلفة بإمتياز.
كان لحركة الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن في نهاية القرن التاسع عشر دور ايجابي في تنمية جنوب اليمن من جميع الجوانب وبناء بنية تحتية جيدة تليق بسمعة امبراطورية كبيرة كبريطانيا وايضاً دعم التعليم والاقتصاد انذاك في ولايات الجنوب وعدن تحديداً ، وما زالت عدن مستفيدة من ذلك الاستعمار الى الأن ، فالتعليم جنوب اليمن في حقبة الاستعمار البريطاني كان في اوج عطائه اللامحدود ضناً من المستعمر ان عدن ستخضع لبريطانيا للأبد فلم يدرك ان دعم التعليم سينشئ حركات طلابية تحررية ساهمت في استقلال الجنوب في ستينيات القرن الماضي ولم تدرك ايضاً تلك الحركات ان التعليم سيتحول الى مهزلة كبيرة بعد الاستقلال والوحدة ،قمّع التعليم عسكريو الشمال , وحرم مضمونه المدني ملتحيو الشمال , وتفنن في ركله حاكم الشمال بعيييييييداً ،هذا بالنسبة للجنوب اما في الشمال (زريبة ومرتع الجهل) لم يكن للتعليم أي جزء بسيط  في قاموس الحكم الجاهل من الاساس فكان يقمع جهراً ان وجد نوع من التدريس الخارج عن نطاق (كتاتيب تدريس القران ).
ففي عهد دولة الملكيين وجدت بعض المدارس القليلة جدا في صنعاء وتعز فكانت علوم دينية بحتة متصرفة من العلوم الحديثة فدارسوها من طبقات ارستقراطية حاكمة وقليل من متميزي دوائر التحفيظ القراني المسجدية من خلال هذا الإقطاع التعليمي استطاع الحاكم/ الإمام ان ينشر وباء فعلي منقطع النظير حاز على امتياز ريادي متخلف وجاهل لم يشهد مثله العالم اطلاقاً.
انفجرت مطالب الشعب المكبوتة طويلاً وحققت ثورة سبتمبر المجيدة من خلال اسهامات واستلهامات مبتعثي الدولة انذاك من متعلمين ومناضلين تحرريين ، استفاق الشعب على حلم واحد واشراقة واحدة دولة جمهورية يخضع الجميع للتعليم والصحة والمشاركة في البناء المستقبلي ، الحكام يتوالون بصفاتهم القضائية والعسكرية والمدنية لم يلتفت اي من العسكريين والقضائيين الى التعليم ورفع مستوى الوعي في حقبات حكمهم المتوالية السريعة نسبياً نظراً لعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في تلك الفترة العصيبة ، حاول الحاكم المدني رفع مستوى التعليم الى اقصى حدوده وصناعة رؤية تعليمية جيدة مستقبلية لعلاج وباء الجهل اللصيق لبيئة الشمال الدفين وكان للحاكم المدني نهائية مؤسفة نسفت حلم مدنيته ورؤيته لتطوير التعليم ورفع الوعي انقلب عليه العسكري القبلي المتشدق بمضامين البيئة القبلية التعسفية للتعليم والمدنية معاً حاكم عسكري قبلي اتى من بيئة جاهلة جاهلية عتيمة يصعد بعفويته الكاذبة ليبني قاعدة نفوذية له ولجماعته لها اثر غائر يعاني منه كل يمني الا الأن. اجهز على التعليم بضربته القاضية ان لم تكن الجاهلة ، دمر منظومة التعليم شيئا فشيئا ، بدأها في شل مضامين المحتوى الدراسي في المناهج التعليمية وإبقائها على ماهي عليه الان رغم مرور سنوات كثيرة  تصل لأكثر من ربع قرن بالرغم من تلخيص المحتوى من فترة لأخرى وتخليص المحتوى من مدارك واساسيات مهمة كنوع من تسهيل المنهج الدراسي  تتقبله عقلية الطالب اليمني بدون معاناة ولا (رفيس) , انتهج نظام التعليم في اليمن نهج التجريد والتصفية الخفية لمضمون المنهج الدراسي من مفردات مواكبة للتقدم الحداثي في العالم , على سبيل التوضيح خلت المناهج الدراسية للمراحل المتقدمة (مرحلة الثانوية) من التعريف بماهي المواطنة والعدالة الاجتماعية – الانسانية  وحقوق الانسان والدستور اليمني  ولا حتى التطرق لمواضيع اجتماعية ووطنية وسياسية لها صلة وثيقة بالوعي المحتم الضروري لكل فرد مواطن اذا ما اراد الحياة الكريمة .لذا نجد الطالب اليمني بعد تخرجه من الثانوية العامة او بالأصح من المدرسة لا يدري اين رأسه من اخمص قدميه , لا يعرف اين موقعه من خريطة الحياة العامة غير انه كائن مشبع بتراكمات تقليدية باهتة تعّود على خزنها على امتداد  سنوات دراسته في مراحلها المختلفة .
منهج دراسي باهت تقليدي عفى عنه الزمن منذ فترة لا يتطرق الى مواضيع ترفع مستوى الوعي العام لدى الطالب /الفرد المواطن , بيئة تعليمية سيئة لا تنفع لتدريس بشر  , اسلوب في التدريس تقليدي , فقر , ارتفاع اسعار المعيشة والعيش الكريم... بهذا  صنع الحاكم جهلاً عليلاً  بالمجتمع ويصنم نفسه فرعوناً يحكم شعبا جاهلاً لا يفقه القليل من الوعي المدني  ويخلد وباء أو اوبئة خالدة لصيقة بالمجتمع. هكذا استطاعت الانظمة الحاكمة الشرقية من تهميش التعليم واجهاض الوعي المدني واستبداله بتعليم الخضوع للحاكم المستبد ، فكان ذالك معياراً لما مدى نجاح ثورات الربيع العربي ،مؤشر الوعي منخفض والتعليم ايضاً فكيف تنجح ثورة جاهلة ضد انظمة كانت سبب في جهلها ؟ صناعة الجهل لا توجد الا في المجتمع الشرقي - العربي منها يصنم الحكام فراعيناً لمجتمعات جاهلة متخلفة ومنها تخليد اوبئة مستقبلية خالدة .

* مقال نشر في صحيفة الشارع يونيو 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جدارية صمت - 15 مارس 2017 صنعاء

"صمت" جدارية من اعمالي على الجدران في العاصمة صنعاء رسمت الجدارية في الحدث السنوي اليوم المفتوح للفن 15 مارس 2017 في العاصمة صن...