الثلاثاء، 11 أبريل 2017

خِدر عارم - من المجموعة القصصية "شعب الله المنكوب"


 شعب الله المنكوب - مجموعة قصصية 
خِدر عارم 

هممت بالنهوض من متكأي الذي أستمر بعنفوانه ولذته خمس ساعات متتالية لاهثاً خلف دقائق لمداعبة النيكوتين لصدري قليلاً في ليلة ظلماء كهذه , بخدر مبارك منتشي بلذة عجينة القات في فمي نهضت بترنح لذيذ وحرارة نشوة القات سرت بجسدي مكونة بلورات عرق على جبيني , التيار الكهربائي منقطع منذ أيام, فقط سراج ولاعتي من يستطيع شق ظلمة الغرفة للبحث عن علبة سجائري , أتحسس وسط الظلام باحثاً عن القداحة اولاً لكي أُضيء من سراجها ومن ثم البحث عن علبة السجائر , كالأعمى أمرر يدي فوق الأشياء التي ربضت بجواري أسمع فرقعة كيس القات وتساقط رصة الكتب التي بجانبي ..  يا أم الجن  فين الولاعة الأن .. أخيراً لمست شيئاً كالولاعة  لكنها فارغة وبدون سراج , واصلت البحث محدثاً خلل في منظومة السكون المتسيدة على الغرفة  عدا همسات أوتار خافتة تخرج من مذياع جاري الذي بخدره الليلي اعتاد على سماع أغاني رديئة اللحن والمحتوى ,  وجدت علبة السجائر ووجدت أيضاً قداحتي داخل العلبة , أشعلت القداحة لكي أرى طريقي الى شرفة المنزل , لألهو قليلاً مع النيكوتين في سكون هذه الليلة .
بخدري وربشتي مع القات فتحت باب الشرفة وأضأت سراج كهربائي تناولته يدي أثناء مروري بجانب المنضدة , متسللاً كأي لص  كي لا يسمعني أحد من النائمين في المنزل لكن مالفائدة من التسلل مادام حظي أرعن دائماً , فور خروجي للشرفة لاح أمام عيني مشهد رائع في السماء  النجوم وصفاء السماء من تعرجات السحاب التي تحجب سواد الليل وجهت السراج الى السماء لأتمتع بالمنظر دون أن أشعر بتوجيه السراج الى الأعلى فتكييفة القات وخدره اللذيذ جعلني أتعثر ببعض عبوات الماء الكبيرة المرصوصة في الشرفة , أحدثت ضجة في المحيط لكنها كانت خافتة نوعاً ما لإمتلاء العبوات بالماء , واصلت طريقي الى زاوية الشرفة فأضطجعت على الفور لأشعل سيجارتي الحبيبة للحظة بدأت بالتحليق بعيداً مع دخان السجارة وخدر عجينة القات في فمي , بدأت بالتخطيط للخطوبة والزواج والعمل بعد ذلك في إحدى دول الجوار براتب عالي وإختيار أحسن سكن في تلك المدينة التي سأعمل بها , هكذا أحلام والا فلا أصبحت لا تفارق متكأي وإنزوائي كل يوم , أفكر بالمستقبل والعمل دون غيرهما , أحلام صعبة ربما في بلد كهذه , زواج وعمل وبيت فقط ياناس الله , أشتي زواجة  ووظيفة وبيت وعلى الدنيا السلام .. يلا ربما تتحسن البلد قريباً . صوت من تحت الشرفة قطع حبل أفكاري وسطلتي المعهودة
-ياولد .. ياولد .. الي في البلكونة
استقمت لأرى من يناديني في هذا الوقت الساعة الواحدة والنصف .. ياالله خراجك من مساطيل الحارة .
- ايوه ياباشا!

-لاتضوي لوجهي , ضوي لوجهك عشان أبسرك
بدوري كشفت عن وجهي في الظلام المعتوه , بتوجيه السراج ناحية وجهي .

-هاااااا  العفو منك ياشيباني , بس كنا نحسبك سارق

- شكراً شكراً

كان أحد أفراد اللجان الشعبية التي تحرس مداخل الأحياء كل مساء ,يستغرقون بتخزين ولوك أغصان القات حتى الصباح وكذلك حراسة الحي  وتفقده, فمن المؤكد أن موجة الخدر قد أصابت الجميع بمن فيهم أنا ,, أردف على الفور من كان يخاطبني

-بس لو سمحت , لا تضوي لا فوق .

-شكراً شكراً أخي

لا زلت مصراً على توجيه الشكر اليه  لتفقده شرفة  المنزل  من اللصوص دون أن أعيره لدنى انتباه لملاحظته أي تركيز وفهم لما قاله , أكملت إرتشاف بقية دخان السيجارة العزيزة , وبحذر وإنتباه عدت الى متكأي محاولاً فهم ماقاله الرجل عن  مغزى تحذيره لإضائتي للأعلى ؟؟
ياالله خارجنا من هؤلاء المساطيل , ونسيت سطلتي المباركة على إعتبار أنني ألوك القات بعقلانية جذابة وأناقة طافحة هه.حالة ..!

مبدداً سطوة الظلام بإشعال القداحة وإطفائها محاولاً قراءة كلمتين أو ثلاث من أحد الكتب التي بجانبي , تاركاً السراج الكهربائي بجانبي يقهقه لحالتي الميئوس منها  أقرأ من ضوء القداحة والسراج بجانبي يربت بالقرب من كيس القات ! سبحانك يارب من عقل مقفل بقفل غثيمي غليظ , موجة الخدر بدت أكثر من أي وقت مضى تصل الى الذروة الطافحة . صوت طائرة بعلو منخفض ليس بالمعهود طوال السبعين يوم من بداية الغارات الجوية  تقذف بحمولتها في محيط باب اليمن وزارة الدفاع  صوت الغارة الأولى جعلتني أنهض بإستقامة مخبول أبحث عن وميض الغارة الأخرى من نافذة غرفتي .للحظة بدأت بتمعن الأصوات المختلطة مع أصوات المضادات الأرضية , صوت سيدة تصرخ بالمبنى المجاور  أتمعن بقية الأصوات صوت حراس الحي أصبحت مزعجة , يالله خراجك من هذه الليلة ..! أطلق أحد الحراس رصاصة من سلاحه الناري وبدأ الحراس والرجال يركضون وصوت السيدة توجههم .. من هنا , لا من هنا ربما , أخرجت رأسي من النافذة لأتتبع صوت السيدة  ياللهول مما رأيت  انها تلوك القات لكن بأناقة أنثوية صارخة  تسيدت شرفتها وأخذت تشير بيدها للحاق باللص يارباه  وكأنها هتلر  لا أعتقد أنها بتلك البجاحة والتسلط .. كان ينقصها سيجار كوبي وستشبه فيديل كاسترو في لحظة نشوة النصر على باتيستا  .
الجميع يلوك عجينة القات بخدرهم يركضون من زقاق الى زقاق يبحثون عن اللص إبن الكلب الذي أسرف ببذخه اضطجاعهم اللذيذ كلاً في متكأه , أيقنت فوراً أنني في محل شك وخطر مرتقب كون الحراس أعتقدوا أني لص عندما كنت في الشرفة قبل دقائق , بقيت أتتبع مسيرتهم البطولية وخدرهم العارم من شباك الى شباك متوجساً خطر  هذه التخديرة المباركة , تزايد عدد الملاحقين وبدأت فعالية المارثون الليلي وقفز الحواجز ومسابقة مائة متر حواجز  الجميع يركض , الجميع يتسلق جدران العمارات باحثين عن الملعون إبن الملعون الذي أضاء ناحية السماء أثناء مرور الطائرة ..!
أحدهم دون أن اشعر رأيته يجوب فناء المنزل باحثاً عن اللص , معقول هكذا عيني عينك بدون إستئذان تسلق جدار المنزل وأخذ يجول ويرمي سبابه اللاذع للص , معقول ياناس الله ؟
أستمر البحث حتى ساعات الصباح الأولى ولا فائدة تُذكر عن مكان إبن الملعون , بقيت معهم حتى أذان الفجر متربصاً لحظة يكفون عن إرهاصات وتوهمات حالة الخدر المعتق لأذهب الى فراشي , العمل على قدم وفم ركض صراخ إفتراضات تنظيرات وإستنتاجات وربما دون أدنى مسوغ للشك توجيه أصابع الإتهام الى الشيباني الذي خرج يداعب صدره بقليل من النيكوتين , أنا المسطول بإذن الله الرُحيم الفلبان المُخدر في هذه الليلة العويصة كيف لي بالهروب (والتقفاز ) من مكان الى مكان ,, ياالله خراجك .

تركت تحليلاتهم الصاخبة تحت مرأى ومسمع السيدة كاسترو  مع إقتراب أذان الفجر , متيقناً أمل الوصول الى إستنتاج (عرمرمي ) في الصباح.

أفقت من نومي الساعة الواحدة ضهراً , ولا زلت متمسكاً بأخر قلاع سطلة الليل الجيمس بوندي , مستفسراً على ماحدث في الفجر من حارس المبنى المجاور لنا , أجابني بأن هناك لص وجاسوس يعمل مع النظام المعادي تسلل الى شرفة منزلنا وأضاء للسماء  بليزر يدوي وسراج كي يثير إنتباه الطيار وبدوره يحدد مكان الضوء ويضرب المنطقة ....! ياااااااااااارجل؟؟  سألته بدوري بحماس إستغراب مصطنع
-وليش ضربوا عليه رصاص .

-أبسروه مرة ثانية واقف بيأشر لاعند الطائرة قبال بيتكم , وبارك الله في الرجال  لا حقوه لوما أختفى , أبسرت انه عميل هذا الملعون .
-هاااااا , خيرة الله .
تركته ورأسي يدوي بإنفجارات إعتباطية ضاحكة , مسحت جبيني ورأسي كالمخبول بدت على وجهي سحنة عجيبة ممزوجة ببلهة منغولية وسرحان فاضح  لما سمعته للتو عن مجريات ليلة الخِدر العارم التي اربكت حسابات الليل لإنهاء دوامه وسكونه وسطوته لتكورات الأفواه الممتئلة بعجينة القات التي جعلت كل من في الحي يركض ويصرخ باحثاً عن عدو الوطن الملعون إبن الملعون ... حالة ..!


مايو 2015
صنعاء 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جدارية صمت - 15 مارس 2017 صنعاء

"صمت" جدارية من اعمالي على الجدران في العاصمة صنعاء رسمت الجدارية في الحدث السنوي اليوم المفتوح للفن 15 مارس 2017 في العاصمة صن...